16/02/2019 - 16:23

مقابلة | "العرب شبّوا على الأسوار ولن يتوقفوا عند حدود نتسيرت عيليت وكرمئيل"

د. منال توتري جبران: إقامة مدارس وكنائس وجوامع في هذه المدن تحصيل حاصل | نمتلك خميرة عربية يمكن البناء عليها في تل أبيب يافا وحيفا واللد والرملة | "قانون القومية" ينسف مبدأ المساواة والتعددية الثقافية

مقابلة |

د. منال توتري جبران

  • إقامة مدارس وكنائس وجوامع في هذه المدن تحصيل حاصل
  • نمتلك خميرة عربية يمكن البناء عليها في تل أبيب يافا وحيفا واللد والرملة 
  • "قانون القومية" ينسف مبدأ المساواة والتعددية الثقافية

من المفارقات أنّ المدن المختلطة في طور النشوء، كما تسميها د. منال توتري جبران، مثل كرمئيل ونتسيرت عيليت، كانت قد أنشأت أصلا لتهويد الجليل ومحاصرة القرى والمدن العربية والحد من توسعها، قبل أن تتحول إلى هدف مرغوب لهجرة أبناء الطبقة الوسطى العرب لقربها من البلدات الأم والإفلات من أزمة السكن وتحسين مستوى حياتها.

وتستغرب د. توتري -جبران، التي بحثت هذا الموضوع، أن تلقى هذه الهجرة مثل تلك "المقاومة" وأن يحظى هذا التمييز العنصري بكل تلك الشرعية في الخطاب الجماهيري، علما بأنّ الأحياء السكنية تمر بعمليات اجتماعية مختلفة تشكّل العامل الأهم لبلورة هويتها عربية كانت أم يهودية، ما يعني أن الفصل يحدث من تلقاء نفسه وليس هناك مبرر أو شرعية لتوظيف القانون وتخصيص الأراضي لمجموعات معينة دون غيرها بذريعة حماية المجموعة. 

حول ظاهرة الهجرة و"المدن المختلطة في طور النشوء" وعلاقة التعددية الثقافية بالحيّز، كان هذا الحوار مع د. منال توتري، المحاضرة في كلية الحقوق بجامعة بار إيلان.

عرب 48: بحثت في علاقة القانون بالفصل الجغرافي، وكيف يتم توظيفه لمنع الاختلاط أو للحيلولة دون تكون ما سميّتها "المدن المختلطة في طور التكوين" والناتجة عن أزمة سكن القرى والمدن العربية والانتقال للسكن في تلك المدن؟

جبران: موضوع بحثي في إطار الدكتوراه كان حول كيفية توظيف القانون كوسيلة للفصل الجغرافي بين مجموعات اجتماعية مختلفة، والمقصود العرب واليهود، وتناولت أساسا المدن المختلطة في طور التكوين مثل نتسيرت عيليت وكرمئيل، وقد هاجمت الادعاء الذي يتذرع باستخدام القانون لحماية ثقافة الجماعة، ليس فقط لأنه يستخدم لحماية مجموعة الأغلبية التي لا تحتاج إلى هذه الحماية، بل لأن "الجماعات" وخاصة "السميكة" منها (تقسم إلى رقيقة وسميكة) مثل الجماعات الأثنية والدينية والقومية هي جماعات قوية جدًا، ولا تحتاج إلى حماية لكي تحافظ على نفسها وخصائصها المميزة.

يافا (بيكسابي)
يافا (بيكسابي)

ادعائي الأساسي في بحثي المتعلق بالتعددية الثقافية أنه إن كانت هناك ضرورة للحفاظ على ثقافة الجماعات المختلفة، فلا يجب أن يتم ذلك من خلال توظيف القانون لتحقيق هذا الغرض، خاصة وأنّ الحديث يدور عن توظيف القانون لحماية ثقافة الأغلبية، علما بأن جميع الأدبيات المتعلقة بالتعددية الثقافية تحدثت عن حماية ثقافة الأقلية، كونها تتعرض لتهديد من سطوة الأغلبية وليس العكس.

عرب 48: هذا الادعاء يستعمل في ما يسمى بـ"القرى الجماهيرية" كذريعة لمنع العرب من السكن فيها؟

جبران: هذا يسري، أيضًا، على "القرى الجماهيرية" حيث يستعمل هناك ادعاء "الحفاظ على النسيج الاجتماعي"، علمًا بأنّ الحفاظ على النسيج الاجتماعي يجب أن يكون مشروطًا بعدم إيقاع تمييز على أساس اللون والدين والجنس والقومية، في حين أنّ " النسيج الاحتماعي" الذي يجري الحديث عنه، يقوم على أساس القومية وهو بالضرورة عنصري لأنه يميز ضد قومية أو قوميات أخرى، ولذلك مرفوض ولاغ قانونيا.

البند السابع في التعديل القانوني الذي أقر عام 2011 أسبغ الشرعية القانونية على لجان القبول في القرى الجماهيرية، والمحكمة رفضت الالتماس الذي قدم ضد هذا التعديل، وادّعت أن البند يحتوي على "وسائل حماية". وفي الواقع، فإنّ توفير الحماية القانونية لمفهوم النسيج الاجتماعي يعني، بالضرورة، إخراج جماعات أخرى وإقصاءَها، وهو أمر مرفوض ولاغ قانونيا، وهذا ينطبق على اليهود الحريديم وليس على العرب فقط.

عرب 48: وكيف يتم استعمال القانون بادعاء حماية "الجماعة الثقافية" في المدن أو المدن المختلطة في طور النشوء، كما سميتها؟

جبران: في العادة هناك عمليات هجرة وتنقل وبيع وشراء تجري في القطاع الخاص، علما أنّ المدن هي عبارة عن فضاء مفتوح، وفي الغالب، فإنّ صفقات البيع تعتمد قوانين السوق، بمعنى أنّ البائع يفضل السعر الأغلى وليس لون البشرة الأكثر بياضا.

حيفا (بيكسابي)
حيفا (بيكسابي)

هذا ما حدث في نتسيرت عيليت وكرمئيل والعفولة نوعا ما، حيث لم نشعر بتلك العمليات سوى في الحالات التي خصصت فيها الدول أراضي بناء، وأعلنت عن مناقصات أثارت ما أثارته من معارضة، وألغي بعضها بأحكام قضائية وبعضها بأحكام جماهيرية، كما حدث في كرمئيل وفي العفولة مؤخرا.

 عرب 48: اصطلاح "مدن مختلطة في طور النشوء" يحمل دلالات تتعدى كون نسبة العرب في تلك المدن في ازدياد مضطرد فقط، بل تحول وجودهم إلى حضور وحقوق جماعية، سيؤثر لاحقا على طابع تلك المدن؟

جبران: الهجرة العربية إلى تلك المدن تتم لقربها من البلدات الأم وفي كثير من الحالات لا يجري تغيير الإقامة للاستمرار بالاستفادة من خدمات البلدة الأم، خاصة في مجال تعليم الأولاد، وهو ما يثقل على هذه البلدات، فأنت تدفع ضريبةً للمدينة وتحصل على الخدمات من البلدة الأم.

وعادة ما يكون العرب الذين ينتقلون للسكن في هذه المدن من الطبقة الوسطى وأصحاب المهن الحرة، وهم يتمتعون بإمكانات مادية تؤهلهم للفوز بالمنافسة والقدرة على شراء البيوت في السوق الحرة، وتدريجيًا، يتحوّل الحي الذي يدخله العرب إلى حي عربي أو ذي أغلبية عربية.

في أميركا، حدث شيءٌ مشابه مع السود، أطلق عليه الهروب الأسود black flight، وهو عمليا هجرة السود الذين وصلوا إلى مستوى اقتصادي جيد ومروا بكلّ "عمليات التحديث"، إن جاز التعبير، وهو ما أدى إلى نشوء ما اسمي بـ white flight، بمعنى أنّ الحارات التي يدخلها السود يهرب منها البيض.

عرب 48: في بعض المدن التي تحدثت عنها تشكلت أحياء عربية كاملة وبات العرب يطالبون بحقوق جماعية، مثل إقامة مدارس ورياض أطفال عربية؟

جبران: من المفارقة أن تتحول المدن التي أقيمت في إطار سياسة تهويد الجليل مثل كرمئيل ونتسيرت عيليت إلى مدن مختلطة، وهو توجه تحاول السلطات منعه دون جدوى. 

ويبدو أنّ الطبقة الوسطى التي تسعى لتحسين وضعها السكني اختارت هذه المدن لقربها من البلدات الأم، أولًا لاعتمادها على البلدات الأم في الكثير من الخدمات وثانيًا لاعتمادها على العائلة في الكثير من الأمور أهمها رعاية الأولاد.

هذه الطبقة لا تريد أن تبعد كثيرا، ولكن التوجه المستقبلي لدى الجيل الشاب هو باقتحام كافة المراكز المدينيّة، الأمر الذي سيعزز التواجد العربي في المدن المختلطة، مثل تل أبيب-يافا، وحيفا وبئر السبع وغيرها، بمعنى أنّ العرب سيخرجون من أسوار قراهم الصغيرة والكبيرة التي سمّوها مدنًا إلى الفضاء الواسعن وما يساعد على ذلك هو بقاء "خميرة عربية" في تلك المدن التاريخية.

عرب 48: ما تتحدثين عنه هو ظاهرة ملحوظة في حيفا بشكل خاص، ولكن ليس في تل أبيب- يافا التي هي المركز الاقتصادي الذي يشكل حلم الشباب اليهود؟

جبران: حيفا تشكل مهربًا لأن العربي يستطيع أن يمارس فيها حقوقه الجماعية، حيث تتوفر المدارس والنوادي والكنائس والمساجد العربية، كذلك، فإنّ العرب المهاجرين إلى حيفا لا يترددون في تغيير مكان إقاماتهم، ولكن في تل أبيب هناك يافا، بمدارسها وجوامعها وكنائسها، يستطيع العربي أن يمارس حياته الجماعية فيها، أيضًا، هي مسألة وقت ليس أكثر، فالتحولات الاقتصادية - الاجتماعية التي يمر بها المجتمع العربي تدفع بهذا الاتجاه حتما. 

عرب 48: أنتِ تدّعين أن التحولات الاقتصادية والاجتماعية ستكسر حالة الفصل الجغرافي المفروض في الحيّز بين اليهود والعرب، والذي يحظى بالغطاء القانوني المطلوب لغرض تحقيق هدف أيديولوجي يخدم المؤسسة؟

جبران: المدينة مجتمع مفتوح تستطيع أن تتسع لتنوع الثقافات وتعدد القوميات والأعراق والأديان، ولا يوجد فيها مصطلح جماعة، فأنت تستطيع أن تحافظ على السبت، بينما يذهب جارك الذي يسكن معك في نفس العمارة ليصلي في الجامع.

من ناحية قانونية، أنت لست بحاجة إلى فصل جغرافي للحفاظ على ثقافة الجماعة التي تنتمي إليها، هذه ميزة المدينة والجديد أن هناك طبقة وسطى عربية أصبحت قادرة وتعرف حقوقها ولا بد أن تخترق الحيز الذي طالما حاولوا إغلاقه في وجهها بشتى الذرائع والقوانين، وبدون شك، فإنّ العمليات الاقتصادية الاجتماعية الجارية على الأرض، والتي تتحرك بفعل قوانين السوق الحر ستكون هي الأقوى.

عرب 48: وماذا عن "قانون القومية"؟

جبران: كل ما كتبته كان قبل "قانون القومية"، وبدون شكّ، فإنّ "قانون القومية" يغير كل الصورة، فالبند السابع الذي يتحدث عن تطوير الاستيطان اليهودي يعطي أفضلية واضحة لليهود. صحيح أنّ مسالة تطوير الاستيطان اليهودي كانت دائما في صلب السياسة الإسرائيلية، إلا أن القانون منحها سندا دستوريا.

وبرغم المحاولات الجارية لتخفيف حدة القانون، ولكن كما أقرأه أنا، فإنه ينسف كل ادعاء "التعددية الثقافية" فهو يقول بشكل واضح إنه لا توجد مساواة ويعطي أفضلية للأغلبية اليهودية ويسعى إلى تطوير الاستيطان اليهودي، وهذا يتطلب منا تعاملا جديدا مع كل الموضوع.


 د. منال توتري جبران: محاضرة في كلية الحقوق في جامعة بار إيلان، حصلت على اللقب الثاني بامتياز والدكتوراه في الحقوق من جامعة تل أبيب، و"البوست دكتوراه" من الجامعة العبرية بالقدس في موضوع "التعددية الثقافية". بحثت في رسالة الدكتوراه دور القانون الخاص والجماهيري في إحداث الفصل في الحيز الجغرافي، وكيف يتم استغلال ادعاء التعددية الثقافية وحماية المجموعة الاجتماعية لإقصاء مجموعات اجتماعية أخرى. كذلك بحثت ما سمته بالمدن المختلطة في طور النشوء مثل نتسيرت عيليت وكرمئيل وكيف تحولت تلك المدن التي أقيمت لمحاصرة القرى العربية إلى هدف مرغوب لقربها من البلدات الأم الإفلات من أزمة السكن وتحسين مستوى حياة تلك الطبقة. 

التعليقات